-->

Translate

شخصيَّات مِن عصر الولاة

شخصيَّات مِن عصر الولاة



    " طارق بن زياد "


    وُلِد "طارق بن زياد" عام 670 ميلاديًّا الموافق 50 هجريًّا بمنطقة خشنلة الجزائريَّة، وهو ابن لقبيلةٍ بربريَّة الأصول. نشأ "طارق" نشأة إسلاميَّة، حفظ العديد من سورِ القرآن الكريم، والأحاديث النبويَّة الشَّريفة، بعدما تعلَّم القراءة والكتابة.
    ارتبط اسمه بذهنِ دارسيّ التَّاريخ الأسلامي في الأندلس؛ ذلك لأنَّ الفضل يرجع له في فتحِ هذه الأرض المفقودة. بدأ جهاده منذ التحق بجيشِ "موسى بن نصير" أمير بلاد المغرب، شارك مع جيش "ابن نصير" في العديد مِن الفتوحات الإسلاميَّة، وأظهَر شجاعة واستبسال المجاهد الحق.
    لاحظ "ابن نصير" شجاعة واستبسال "طارق بن زياد"، فجعله -مكافأة له- على رأسِ جيشه. وبدأت مِن هذه اللحظة فتوحات ابن زياد بإتجاه المحيط الأطلسي.
    *   *   *
    كانت بلاد الأندلس يحكمها ملك ظالم يُدعى لُذريق كرهه الناس، وفكَّروا في خلعه من الحُكم والثورة عليه بالاستعانة بالمسلمين، الذين يحكمون الشمال الإفريقي؛ بعد أن سمعوا كثيرًا عن عدلهم، وتَوَسَّط لهم الكونت يُوليان -حاكم سبتة القريبة من طنجة- في إقناع المسلمين بمساعدتهم، وراسل "بطارق بن زياد" يعرض عليه مساعدته في التخلُّص من لُذريق حاكم الأندلس، وقد رحَّب طارق بهذا الطلب، ووجد فيه فرصة طيبة لمواصلة الفتح والجهاد، ونَشْرِ الإسلام وتعريف الشعوب بمبادئه السمحة، فأرسل إلى  "موسى بن نصير" أمير المغرب يستأذنه في فتح الأندلس، فطلب منه الانتظار حتى يُرسل إلى خليفة المسلمين الأمويّ "الوليد بن عبد الملك" بهذا العرض، ويستأذنه في فتح الأندلس، ويشرح له حقيقة الأوضاع هناك، فأَذِنَ له الخليفة، وطلب منه أن يسبق الفتح حملة استطلاعية يكشف بها أحوال الأندلس قبل أن يخوض أهوال البحر، فقاد طريف بن مالك حملة استطلاعية تضمُّ خمسمائة من خير جنود المسلمين؛ وذلك لاستكشاف الأمر، ومعرفة أحوال الأندلس سنة (91 هـ= يوليو 710م)، فعبرت هذه الحملة في أربع سفن قدَّمها لها الكونت يوليان، وقامت هذه الحملة الصغيرة بدراسة البلاد، وتعرَّفُوا جيدًا عليها، ولم تلقَ هذه الحملة أية مقاومة، وعادت بغنائم وفيرة.
    *   *   *
    شجَّعت نتيجةُ حملة طريف طارقَ بن زياد بالاستعداد لفتح بلاد الأندلس، وبعد مرور أقلّ من عام من عودة حملة طريف خرج طارق بن زياد في سبعة آلاف جندي معظمهم من البربر المسلمين، وعَبَرَ مضيقَ البحر المتوسط إلى الأندلس، وتجمَّع المسلمون عند جبل صخري عُرف فيما بعدُ باسم «جبل طارق» في 5 من شهر رجب 92 هـ= 27 من أبريل 711م.

    وأقام طارق بتلك المنطقة عدَّة أيام، وبنى بها حصنًا لتكون قاعدة عسكرية بجوار الجبل، وعهد بحمايتها إلى طائفة من جنده لحماية ظهره في حالة اضطراره إلى الانسحاب.

    ثم سار طارق بن زياد بجيشه مخترقًا المنطقة المجاورة بمعاونة الكونت يوليان، وزحف على ولاية الجزيرة الخضراء واحتلَّ قلاعها، وفي أثناء ذلك وصلت أنباء الفتح إلى أسماع لُذريق، وكان مشغولاً بمحاربة بعض الثائرين عليه في الشمال، فترك قتالهم وأسرع إلى طُلَيْطلَة عاصمة بلاده، واستعدَّ لمواجهة جيش المسلمين, وجمع جيشًا هائلاً بلغ مائة ألف مقاتل مزوَّدين بأقوى الأسلحة، وسار إلى الجنوب للقاء المسلمين، وهو واثق كل الثقة من تحقيق النصر.
    ولمَّا عَلِمَ طارق بأنباء هذه الحشود بعث إلى موسى بن نصير يُخبره بالأمر، ويطلب منه المدد، فبعث إليه بخمسة آلاف جندي من خيرة الرجال، وبلغ المسلمون بذلك اثني عشر ألفًا.
    *   *   *
    بعد معركة وادي لكة طارد طارق بن زياد فلول الجيش المنهزم، وسار بجيشه يفتح البلاد، ولم يجد مقاومة عنيفة في سيره تجاه الشمال، وفي الطريق إلى طُلَيْطلَة عاصمة القوط كان طارق يُرسل حملات عسكرية صغيرة لفتح المدن؛ مثل: قُرْطُبَة وغَرْنَاطَة وإِلْبِيرة ومَالَقَة.

    وواصل طارق سيره شمالاً مخترقًا هضاب الأندلس؛ حتى دخل طُلَيْطلَة بعد رحلة طويلة شاقَّة، بلغت ما يزيد على ستمائة كيلو متر عن ميدان المعركة التي انتصر فيها.

    ولما دخل طارق مدينة طُلَيْطلَة أبقى على مَنْ ظلَّ بها من السكان، وأحسن معاملتهم، وترك لهم كنائسهم, وتابع زحفه شمالاً حتى وصل إلى خليج بسكونيه، ثم عاد ثانية إلى طليطلة، وكتب إلى موسى بن نصير يُحيطه بأنباء هذا الفتح وما أحرزه من نصر، ويطلب منه المزيد من الرجال والعتاد لمواصلة الفتح ونشر الإسلام في تلك المناطق، وتخليص أهلها من ظلم القوط.
     *   *   *
    كان موسى بن نصير يُتابع سير الجيش الإسلامي بقيادة طارق بن زياد في الأندلس، وأدرك أنه في حاجة إلى عون ومساندة بعد أن استشهد كثير من المسلمين في المعارك التي خاضوها؛ فعَبَر إلى الأندلس في ثمانية عشر ألف جندي في (رمضان 93هـ= يونيه 712م)، وسار بجنوده في غير الطريق الذي سلكه طارق بن زياد؛ ليفتح بلادًا جديدة، حتى وصل إلى طُلَيْطلَة والتقى بطارق بن زياد.
    وبعد أن استراح القائدان قليلاً في طليطلة عاودا الفتح مرَّة ثانية، وافتتحا سَرَقُسْطَة وطَرَّكُونة وبَرْشُلُونَة وغيرها من المدن، ثم افترق الفاتحان، وسار كلٌّ منهما في ناحية حتى أتمَّا فتح الأندلس.
    وبينما القائدان يفتحان البلاد وصلت رسالة من الخليفة الوليد بن عبد الملك يأمرهما فيها بالتوقُّف عن الفتح، والعودة إلى دمشق، وكان القائدان قد نَظَّمَا شئون البلاد، وغادر القائدان الأندلس وواصلَا السير إلى دمشق عاصمة الدولة الأموية، فوصلاها بعد تولية سليمان بن عبد الملك الخلافة بعد وفاة أخيه الوليد، وقدَّما له تقريرًا وافيًا عن الفتح، فاسْتَبْقَاهما الخليفة إلى جواره، وأقام طارق بن زياد هناك مكتفيًا بما حقَّقه من فتوحات عظيمة خلَّدت اسمه بين الفاتحين العظام من المسلمين.
    انقطعت أخبار القائد طارق بن زياد إثر وصوله إلى الشام مع موسى بن نصير، واضطربت أقوال المؤرخين في نهاية طارق؛ غير أن الراجح أنه لم يُوَلَّ عملًا بعد ذلك

    لقد كان طارق بن زياد قائدًا عظيمًا؛ استطاع بإيمانه وصبره وعزيمته وإصراره أن يصل إلى هذه المكانة العظيمة، ونجح في تحقيق هذه الانتصارات لأنه كان يُفَكِّر في كل خطوة يخطوها، ويتأنَّى في اتخاذ القرار، ويجمع المعلومات قبل التحرُّك، كما كان مؤمنًا صادقَ الإيمان على يقينٍ من نصر الله حتى في أحرج الأوقات، فظلَّ ثمانية أيام يُحارب عدوَّه في لقاء غير متكافئ من حيث العدد والعُدَّة؛ لكنه تمكَّن من تحقيق النصر في النهاية بفضل الله تعالى.

    " السمح بن مالك الخولاني "


    هو السَّمْح بن مالك الخَوْلانِيّ، نسبة إلى قبيلة خَوْلان. وخولان هو فَكْل بن عمرو بن مالك بن الحارث بن مُرَّة بن أُدَد بن زيد بن يَشْجُب بن عَرِيْب بن زيد بن كَهْلان بن سَبأ.
    ولا نعلم عن أيامه الأولى شيئاً، وأوّل ذكر ورد له في بعض المصادر، هي: أنّ الخلفاء كانوا إذا جاءتهم جبايات الأمصار والآفاق، يأتيهم مع كلّ جباية عشرة رجال، من وجوه النّاس وأجنادها، فلا يدخل بيت المال من الجباية دينارٌ ولا درهمٌ، حتى يحلف الوفد بالله الذي لا إله إلاّ هو، ما فيها دينار ولا درهم إلاّ أُخِذَ بِحَقِّه، وأنّه فضل أعطيات أهل البلد من المقاتلة والذريّة، بعد أن أخذ كلّ ذي حقٍّ حقّه. وأتى وفد إفريقيَّة بخراجها، وذلك أنّها لم تكن يومئذٍ ثغراً، فكان ما فضل بعد أعطيات الأجناد وفرائض الناس ينقل إلى الخليفة، فلما وفدوا إلى الخليفة بخراج إفريقية في زمان سليمان بن عبد الملك أُمروا بأن يحلفوا، فحلف الثمانية، ونكل إسماعيل بن عُبيد الله مولى بني مخزوم، ونكل بنكوله السَّمح بن مالك الخولاني، فأعجب ذلك عمر بن عبد العزيز من فعلهما، ثمّ ضمَّهما إلى نفسه، فاختبر منهما صلاحاً وفضلاً؛ فلما ولي عمر بن عبد العزيز، ولّى إسماعيل إفريقيّة، وولّى السَّمح بن مالك الأندلس، وهذا يدل على أنّه كان يعمل في إفريقيّة على عهد.
    ولمّا تولّى السَّمح الأندلس، نشطت حركة الفتوح عبر جبال البرتات نشاطاً عظيماً، لأنّ السَّمح كان رجلاً عميق الإيمان، جمّ النّشاط، فلم يكد يستقرّ في الأندلس، حتى نهض الفتح فيما وراء جبال البرتات، فتوغل في بلاد غالة  (فرنسة)، وبالتحديد في جنوبيّ فرنسة.
    وعبر السَّمح على رأس جيشه جبال البَرْتات، ففتح مدينة أَرْبُوْنَة سنة مائة الهجرية (719 م) بعد حصار استمر ثمانية وعشرين يوماً، وكان فتحها عَنّوَة، ثم حصّنها وشحنها بالميرة نظراً لأهمية موقع هذه المدينة الجغرافي، ولا يزال في هذه المدينة شارع باسمه.
    وموقع أَرْبُوْنَة هو على ارتفاع عشرة أمتار فقط عن سطح البحر، وعلى مسافة أربعة عشر كيلو متراً منه إلى الشرق، ونهر الأود يمرّ بالقرب منها، والسهول التي بينها وبين البحر كونتها الرواسب التي أبقاها هذا النهر، ومناخ المدينة شبيه بمناخ المدن العربية، أي أنّها لطيفة الشتاء نادرة الثلج، حارة القَيْظ، لولا نسمات لطاف تهبّ عليها أحياناً من جهة البحر، فتخفِّف من حرارتها. وأكثر حاصلات أربونة من الكَرَم، وفيها جميع أشجار البلاد الحارة كالتين والزيتون والصُبَّيرة. ويمر بأربونة جدول اسمه: روبين ( La Robine) مشتق من قناة الجنوب المستمدة من نهر الأود. وأربونة من أقدم المدن، عثروا فيها على آثار الآدميين من العصر الحجريّ، وعلى قبور مما قبل التاريخ
    وهناك روايات تدلّ على أنّ موسى بن نُصَيْر أرسل سراياه، ففتحوا أربونة من جملة ما فتحوه (4) وذلك سنة خمسٍ وتسعين الهجرية (714 م)، ولكن فتح موسى هذا لم يكن فتحاً مستداماً، إنّما كان فتحاً وقتيّاً بقوّات استطلاعية خفيفة، استطاعوا جمع المعلومات المفصّلة عن تلك المنطقة الحيوية من بلاد فرنسة، تمهيداً لفتحها مِن السَّمح بعد خمس سنين فقط.
    ويجدر بنا قبل أن نمضي في تتبّع غزوات السَّمح لأنحاء فرنسا، أن نقول كلمة موجزة في مملكة الفرنج. كان الفرنج شعب من القبائل الجرمانية، استقرّت منذ أواخر القرن الخامس للميلاد، بين نهر الرّين والبحر في إقليم فلاندز وما إليه - البلجيك الحديثة - ثم على ضفاف الرّين الوسطى والموز.
    وفي نهاية القرن الخامس الميلادي كان زعيم هذه القبائل أمير شجاع يدعى كلوفيس، بدأ حكمه في مدينة تورني، وفي سنة (486 م) غزا شمالي فرنسة وانتزعه من يد الحاكم الروماني. ثم استولى على معظم جنوبي فرنسة، واعتنق النصرانية وجعل باريس عاصمة له. وتابع أبناء كلوفيس سياسته. فوسّعوا مملكتهم إلى شطر ألمانيا وإيطاليا. ولكن السلطة المركزية ضعفت بالتدريج، فأصبح لكل منطقة أمير. وكان أمير منطقة أكويتانا في جنوبي فرنسة هو الدوق أودو قوياً مسيطراً، وفي أيامه اخترق السّمح جنوبي فرنسة. وبعد أن انتهى السَّمح من أمر أربونة التي افتتحها عَنْوَة، وشحنها وشحن المدن المجاورة لها بالمجاهدين، واستكمل فتح ولاية سبتمانيا القوطيّة، توغّل في غالة حتى وصل إلى طَلُّوْزَة (2) ( Toulouse) ، وكانت يومئذ عاصمة أكويتانا، وفي محاولة لفتح هذه المدينة بالقوّة، أحاطها المسلمون بالخنادق وبقيّة آلات الحصار. وكان أودو ( Eudo) دوق أكويتانا أحد أحفاد أسرة كلوفيس، أقوى أمراء الفرنج في جنوبي فرنسة وأشدّهم بأساً، وكان أثناء الاضطراب الذي ساد مملكة الفرنج، قد استقلّ بأكويتانا وبسط حكمه على القسم الأكبر جنوبي فرنسة، من الّلوار إلى البرنية، والتفّ حوله القُوْط والبُشْكَنْس، وأخذ يطمح إلى انتزاع حكم الفرنج أو ملك أسرته، ولكنّه اضطرّ إلى مقاومة المسلمين، وشُغل عن تحقيق طموحه.
    وكان السَّمح قد فتح ولاية سبتمانيا القوطيّة، وأقام فيها حكومة إسلامية، ووزّع الأرض بين المسلمين الفاتحين والسكّان الأصليين، وفرض الجزية على النصارى، وترك لهم حريّة الاحتكام إلى شرائعهم. وفي زحفه نحو الشرق لفتح أكويتانا، قاومه البشكنس والقوط سكان تلك الأنحاء مقاومة عنيفة، ولكنّه تغلّب عليهم. وقصد طولّوز، وكان الدوق أودو قد حشد في تلك الأنحاء جيشاً ضخماً، فسار على رأس جيشه لردّ المسلمين. وعلم السَّمح بذلك، فارتدّ عن مهاجمة طولّوز، ليلقى جيش الدوق أودو، رغم تفوّق جيش الفرنج على جيش المسلمين بالعَدَد، حتى وصف مؤرخو العرب كثرة جيش الفرنج بقولهم: "إنّ العِثْيَرْ المتطاير من زحف أقدامهم، كان يغطي عين الشمس من كثرتهم"، فتلا السَّمح لرجاله الآية الكريمة: ((*إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ*)). ولمّا تلاقى الجمعان، خُيِّل أنّ الجبال تلاقى بعضها ببعض، وكانت المعركة من أهول ما يتصوّره العقل، وكان السَّمح يظهر في كلّ مكان، وسيفه يقطر دماً وهو يرفع معنويات رجاله بقوله وبفعله، وكان كالفحل الهائج لا يردّ رأسه شيء، أو كالأسد الزائر يحمل على العدو فلا يقف أحد في وجهه.
    واشتد القتال بين الجانبين، وصبر المسلمون صبراً كريماً، حتى قُتلوا عن آخرهم - كما يقول ابن حيّان - وكانت جنود الفرنج قد تكاثرت على المسلمين وعليه، وأحاطت بالمسلمين، فاستُشهد يوم التروية سنة اثنتين ومائة الهجرية، أو أنّه استُشهد يوم عَرَفة (يوم الحج) من سنة اثنتين ومائة الهجرية (10 حزيران - يونيو سنة 721 م)
    ولم تستطع فلول الجيش الإسلامي العودة، إلاّ بفضل ما أبداه أحد كبار الجند - وهو عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي - من الجهد، فقد أقامه العسكر رئيساً عليهم، فبذل الهمّة في جمع شتاتهم والتقهقر بهم، حتى عاد إلى الأندلس، وسقط القائد المجاهد مضرّجاً بدمائه، فخسر روحه وربح الشهادة، وأصبح في عِداد القادة الشهداء.












    " عبد الرحمن الغافقي "


    عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي العكّي، من قبيلة «عك» باليمن، يُكنّى أبا سعيد، وفد على سليمان بن عبد الملك الأموي في دمشق، وظهرت مواهبه الحربية في الغزوات، فاختاره خلفاً للقائد السمح بن مالك الذي استشهد في معركة «تولوز» في جنوب فرنسا التي هُزم فيها المسلمون أمام قوات أودو دوق، فنظم الجيش ورجع به من دون تفكك، وأنقذ الباقين بأقل الخسائر، ولبث في منصبه مدة قصيرة، أظهر خلالها قدرته على الإدارة والقيادة.
    أراد أودو دوق أن يشغل المسلمين بالمشكلات الداخلية بعد أن علم أن الغافقي يجهز جيشاً، فعمد إلى خلق الفتن والقلاقل بين المسلمين العرب والمسلمين الأمازيغ «البربر»، واستطاع استمالة «منوسة» حاكم إحدى الولايات الجنوبية، وأغراه بالخروج على الغافقي، عارضاً عليه المساعدة بالمال والسلاح، فوافق «منوسة»، إلا أن الغافقي لم يمهله طويلاً، فاستطاع أن يوحد الصفوف، وجمعت هيبته كلمة القبائل، فرد المظالم، وحقق العدالة الاجتماعية، فحاصر جيش «منوسة» وقتله وأنهى الفتنة، بعدها جاء عنبسة بن سحيم الكلبي والياً على الأندلس التي كانت تتبع أفريقيا، فاستشهد عنبسة عند عودته من غزوه أرض الفرنجة، وتعاقب ولاة عدة حتى أقرّ والي أفريقيا عبيد الله بن الحبحاب تعيين عبد الرحمن الغافقي للولاية الثانية، الذي حرص على حمل راية الإسلام وحضارته إلى شعوب أوروبا والقسطنطينية التي غرقت في الظلام، ليعم الإسلام القارة الأوروبية، فأعد بتميزه وأسلوبه العسكري جيشاً كبيراً، وتوجه غازياً بلاد الفرنجة، وتوجه إلى بوردو وهزم الدوق، وفر قائدهم أودو من مدينة لأخرى، والمسلمون من خلفه، حتى التقى الجيشان على ضفاف نهر «الجارون»، وانتصر جيش المسلمين، وفتح الغافقي نصف فرنسا الجنوبي.
    تحرك جيش المسلمين بقيادة الغافقي، وفتح مدينتي بواتييه وتور، فسارعت بقية ولايات الفرنجة بالتحالف، وحشد جيوشهم لمواجهة جيش الغافقي، فالتحم الجيشان في معركة استمرت عشرة أيام، هاجم الغافقي جيش العدو، واشتد القتال، وكان الجنود المسلمون أُسوداً مغاوير، وراء قائدهم الباسل، وكانت الغلبة لهم، لكن الداهية «شارل مارتل» قائد الفرنسيين علم أن جيش الغافقي تناقص خلال أشهر الفتح بأعداد كبيرة لحماية المدن المفتوحة حديثاً، وأن المسلمين مثقلون بغنائمهم الثمينة، فصاح أن معسكر الغنائم يكاد يقع في يد العدو، فارتدت قوة كبيرة من الفرسان من قلب المعركة لحماية الغنائم، وتركوا ميدان القتال، فدب الخلل في صفوف المسلمين، حاول الغافقي لملمة جيشه، بينما هو يتنقل بين الصفوف يقودها ويجمع شتاتها، فأمر شارل مارتل بالتركيز لقتله، فكان يعتبره مفتاح الجيش وثباته وقوته، فأصابه سهم فسقط شهيداً، فضعفت النفوس، وأمعن العدو في المسلمين تقتيلاً وإهلاكاً، فانهزموا، وفضلوا الانسحاب، وعرفت هذه المعركة بـ«بلاط الشهداء»، نظراً لكثرة من سقط في ميدانها من الشهداء، فتوقف الزحف الإسلامي داخل فرنسا، ولولا تلك المعركة التي كانت نقطة تحول في عمليات الفتوحات الإسلامية لأصبحت أوروبا حينها تابعة للخلافة الإسلامية.

    Unknown
    @مرسلة بواسطة
    كاتب لدى موقع أندلسية .