-->

Translate

الأدب في فترتي الحجابة وملوك الطوائف

الأدب في فترتي الحجابة وملوك الطوائف





















    بالطبع شاهدنا ما كان حادثاً في عهد الحكم المستنصر من تقدم على مستوى العلم والثقافة والأدب، ولكن بموت الحكم المستنصر وتحول الخلافة إلى ابنه هشام المؤيد ـ بويع بها وهو في سن الثانية عشر من عمره ـ ومن هنا تبدأ فترة الحجابة ـ (366ـ 399) ـ ويتولى المنصور ابن أبي عامر الأمر الذي وصفت فترة حكمة بفترة الاستبداد وفي تلك لقيت الثقافة الأندلسية جمود وسارت بقوة الدفع التي لقيتها خلال فترتي الناصر والمستنصر.

    ولذا نرى في فترة المنصور وأولاده (عبد الملك وعبد الرحمن شنجول) جمود في الحركة العلمية حيث لم يوجد أي تطور عن فترة الخلافة ولم يوجد تطور ملحوظ في أي ميدان إلا وجود مجلس علمي كان يحضره الفقهاء وكان يعقد أسبوعياً، وبالطبع لما لاقته تلك الثقافة في فترة الخلافة فوجد في العلوم اللسانية النقلية محمد بن عبد الله المقري وفي القراءات القضاعي وغيرهم.

    لقيت تلك الفترة ازدهار وخمول الازدهار كان في الدراسات اللغوية، وهذا يعتبر ردة فعل على المشارقة حيث وفد على الأندلس في تلك الفترة اللغوي صاعد البغدادي فكان الازدهار ردة فعل عليه ولإظهار القدرة والخمول كان في الدراسات الفلسفية بعد ما لقيت رواجاً في عصر الخلافة وذلك كان بسبب حرق المنصور لكتب الفلسفة التي ضمتها مكتبة المستنصر.

    أما الأدب فقد تأثر بتلك الظروف، فنجد ضمور بعض الموضوعات مثل الشعر الفلسفي وغيره واختفاء النثر التأليفي فنجد على مستوى الشعر ظهر المجون وهو ما يعبر عن حياة تلك الفترة وشعر المديح للترويج لمن يحكم، فنجد الرمادي علماً على هذا النوع بمدحه المنصور ابن أبي عامر.

    ومن شعر المجون

    نقل ابن بسام خبر فيه من هذا النوع وهو ما بين عبد الملك بن شهيد والمنصور

    قد بعثنا بها كشمس النهار ... في ثلاث من المها أبكار

     وامتحنا بعذرة البكر إن كن ... ترجي بوادر الإعذار 

     فاجتهد وابتدر فإنك شيخ ... قد جلا ليلة بياض النهار 

     صانك الله من كلالك فيها ... فمن العار كلة المسمار 

    فافتضهن من ليلته وكتب له بكرة 

     قد مضضنا ختام ذاك السوار ... واصطبغنا من النجيع الجاري

     وصبرنا على دفاع وحرب ... فلعبنا بالدر أو بالدراري

     وقضى الشيخ ما قضى بحسام ... ذي مضاء عضب الظبا بتار

     فاصطنعه فليس يجزيك كفرا ... واتخذه فحلا على الكفار 

    فعلى الرغم من تظاهر المنصور بالتدين ليرضي الفقهاء فكان له مجالس لهو وأنس.

    ومن شعر الرمادي في مدح المنصور
    ما كفر نعماك من شأني فيثنيني

    عمن توالى لنصر الملك والدين
    ولا ثنائي وشكري بالوفاء بما

    أوليتني دون بذل النفس يكفيني
    حق على النفس أن تبلى ولو فنيت

    في شكر أيسر ما أضحيت توليني
    ها إنها نعمة ما زال كوكبها

    إليك في ظلمات الخطب يهديني
    تبأى بجوهر ود غير مبتذل

    عندي وجوهر حمد غير مكنون
    وحبذا النأي عن أهلي وعن وطني

    في كل بر وبحر منك يدنيني
    وموقف للنوى أغليت متأدي

    فيه وأرخصت دمع الأعين العين
    من كل نافرة ذلت لقود يدي

    في ثني ما يدك العلياء تحبوني
    والحذر يخفق في أحشاء والهة

    تردد الشجو في أحشاء محزون
    أجاهد الصبر عنها وهي غافلة

    عن لوعة في الحشا منها تناجيني
    يا هذه كيف أعطي الشوق طاعته

    وهذه طاعة المنصور تدعوني
    شدي علي نجاد السيف أجعله

    ضجيع جنب نبا عن مضجع الهون
    رضيت منها وشيك الشوق لي عوضا

    وقلت فيها للوعات الأسى بيني
    فإن تشج تباريح الهوى كبدي

    فقد تعوضت قربا منك يأسوني
    وإن يمت موقف التوديع مصطبري

    فأحر لي بدنو منك يحييني
    أو أفرط الحظ من نعماك منقلب

    من الوفاء بحظ فيك مغبون
    وخازن عنك نفسي في هواجرها

    وليس جودك عن كفي بمخزون
    وأي ظل سوى نعماك يلحفني


    وكان في المقابل نجد من يرى أن المنصور ليس له حق في الحكم فوجد النقد السياسي ومنه

    أبني أمية أين أقمار الدجى ... منكم وأين نجومها والكوكب 

    غابت أسود منكم عن غابها ... فلذاك حاز الملك هذا الثعلب

    فيصف المنصور بالثعلب لمكره.

    ومع اختفاء النثر التأليفي ووجود النثر الخالص لوحظ أثر ابن العميد على النثر حيث مالت الطريقة إلى الإطناب والسجع والجناس وغيره.


    ثم تأتي فترة الفتنة وتبدأ تلك الفترة بمبايعة المؤيد لعبد الرحمن بن محمد بن أبي عامر بالخلافة مما أثار غضب البيت الأموي وثار المهدي ودخل القصر وأخذ المبايعة من المؤيد وقلد نفسه خليفة وتتوالى الأحداث فكل يوم يُأتى بخليفة، فلا يأخذ الخليفة يومين ويأتي غيره.

    بالطبع أثرت تلك الأحداث على الحركة العلمية، ولكن مع ذلك وجدنا في شرقي الأندلس التي نعمت ببعض الأمان نجد ابن حزم يتوجه في نشر المذهب الظاهري ومروان ابن حيان الذي انصرف إلى كتابة الأدب والتاريخ.

    أما الأدب تأثر فانتشر أدب التلهي والنفاق والتفاهة وذلك وُجد في الشعر تحت مسمى أدب الهروب حيث كان يذهب الشعراء إلى وصف أشياء تافهة مثل ما نجد عند أبي عامر ابن شهيد
    ومنفر للنوم مسكنه إذا
    نام المملك بين أثناء الثياب
    يسري إلى الأجسام يهتك عدوة
    عن كل جسم صيغ بالنعمى حجاب
    ويعض أرداف الحسان وماله
    كف ولكن فوه من أعدى الحراب
    متحكم في كل جسم ناعم
    متدلل ما بين ألحاظ الكعاب
    فإذا هممت بزجره ولى ولا
    يثنيه عما قد تعوده طلاب
    وترى مواضع عضه مخضوبة
    بدم القلوب وما تعاوره خضاب
    قرم من الليل البهيم مكور
    يمشي البراز وما تواريه ثياب
    عظمت رزيته ولكن قدره
    أخزى وأهون من ذباب في تراب


    وغير ذلك من الموضوعات حيث ذهبوا إلى الغزل الشاذ وذكر الخمر وما إلى ذلك.
    وظهر نوع آخر، وهو أدب التأمل والنقد ـ أدب المراجعةـ وذلك كان على مستوى النثر فأتاح للنثر أن يتخطى الشعر، حيث نجد كتاب ابن حزم الشهير (طوق الحمامة بين الأُلفة والأُلاّف) الذي كتب فيه عن الحب وتعتبر أول محاولة نثرية في ذلك الموضوع، ونجد رسالة التوابع والزوابع لابن شهيد والي يعد أشهر شعراء تلك الفترة.


    ثم بحلول عام 422هـ وبإعلان الوزير أبو الحزم بن جهور سقوط الدولة الأموية دفع ذلك فقهاء الأندلس وكل من له قضاء بلدة انفرد بحكمها أدى ذلك إلى وجود 22 دويلة ومنهم بنو جهور في قرطبة، وبنو حمود، وبنو الأحمر في غرناطة، وبنو عباد في إشبيلية، وبنو الأفطس في بطليوس.

    ولعل الحركة الأدبية والعلمية في تلك الفترة لم تتغير عن سابقتها، ولكن طبيعة التنافس بين الممالك أوجدت شعراً، ومن أكثر ما يلاحظ أن القصيدة الغزلية طغى عليها الشكل الحواري وذلك لوحظ في قصيدة ابن زيدون لولادة التي اتخذت القالب الرسائلي فطغت عليها الحوارية ومنها
    أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا
    وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا
    أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا
    حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا
    مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ
    حُزناً مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا
    أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا
    أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
    وكما نرى الحوارية في تلك القصيدة، وعلى مستوى النثر وجدنا من يكتب رسائل في تفضيا الورد على البهار أو غيره وإذا أخذناها من ناحية الرمز فسنجد أنها للترويج لحاكم دويلة على الأخرى، وبالطبع سارت تلك الفترة على هذا النسق إلى أن استعان المعتمد بن عباد حاكم إشبيلية بيوسف بن تاشفين ليدخل هو والمرابطين إلى الأندلس بعد موقعة الزلاقة، ونجد المعتمد بعد أسره في أغمات يقول:

    فيما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسرورا

    فَساءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسورا

    تَرى بَناتكَ في الأَطمارِ جائِعَةً

    يَغزِلنَ لِلناسِ ما يَملِكنَ قَطميراً

    بَرَزنَ نَحوَكَ لِلتَسليمِ خاشِعَةً

    أَبصارُهُنَّ حَسراتٍ مَكاسيرا


    Unknown
    @مرسلة بواسطة
    كاتب لدى موقع أندلسية .