هي مدينة ملكية بناها عبد الرحمن الداخل بضاحية قرطبة الشمالية في فترة الإمارة الأموية في الأندلس، وجعلها مقرًا صيفيًا له لارتفاعها عن قرطبة، وإطلالتها على نهر الوادي الكبير، وسماها الرصافة تخليدًا لذكرى جده هشام بن عبد الملك باني رصافة الشام، ولم يبق لها أثر في القرن العشرين، فبنت الحكومة الإسبانية في موضعها سوق كبير، أطلقت عليه اسم (الرصافة).
واتخذ الداخل بها قصرا حسنا، ودحا جنانا واسعة، ونقل إليها غرائب الغروس وأكارم الشجر من كل ناحية، وأودعها ما كان استجلبه يزيد وسفر رسولاه إلى الشام من النوى المختار والحبوب الغريبة، حتى نمت بيمن الجد وحسن التربية في المدة القريبة أشجارا معتمة أثمرت بغرائب من الفواكه انتشرت عما قليل بأرض الأندلس، فاعترف بفضلها على أنواعها.
وكلف الداخل بها وكثر تردده عليها، وسكناه أكثر أوقاته بها، فطار لها الذكر في أيامه، واتصل من بعده في إيثارها، وكلهم فضلها، وزاد في عمارتها، وانبرى وصاف الشعراء لها، فتناغوا في ذلك فيما هو إلى الآن مأثور عنهم، مستجاد منهم.
قال ابن سعيد: والرمان السفري الذي فاض على أرجاء الأندلس، وصاروا لا يفضلون عليه سواه، أصله من هذه الرصافة.
مدينة الزهراء
مدينة الزهراء تمثل إحدى ثمرات التميز في الأندلس، بناها معلن الخلافة في الأندلس، عبد الرحمن الناصر واستمر العمل فيها من عام خمسة وعشرين وثلاثمائة إلى آخر دولة الناصر وابنه الحكم وذلك نحو من أربعين سنة
ولما فرغ من بناء مسجد الزهراء على ما وصف كانت أول جماعة صليت فيه صلاة المغرب من ليلة الجمعة لثمان بقين من شعبان وكان الإمام القاضي أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي عيسى ومن الغد صلى الناصر فيه الجمعة وأول من خطب به القاضي المذكور
ولما بنى الناصر قصر الزهراء المتناهي في الجلالة والفخامة أطبق الناس على أنه لم يبن مثله في الإسلام البتة وما دخل إليه قط أحد من سائر البلاد النائية والنحل المختلفة من ملك وارد ورسول وافد وتاجر من الناس تكون المعرفة والفطنة إلا وكلهم قطع أنه لم ير له شبها بل لم يسمع به بل لم يتوهم كون مثله حتى إنه كان أعجب ما يؤمله القاطع إلى الأندلس في تلك العصور النظر إليه والتحدث عنه والأخبار عن هذا تتسع جدا والأدلة عليه تكثر ولو لم يكن فيه إلا السطح الممرد المشرف على الروضة المباهى بمجلس الذهب والقبة وعجيب ما تضمنه من إتقان الصنعة وفخامة الهمة وحسن المستشرف وبراعة الملبس والحلة ما بين مرمر مسنون وذهب موضون وعمد كأنما أفرغت في القوالب ونقوش كالرياض وبرك عظيمة محكمة الصنعة وحياض وتماثيل عجيبة الأشخاص لا تهتدي الأوهام إلى سبيل استقصاء التعبير عنها
وذكر المؤرخ أبو مروان بن حيان صاحب الشرطة أن مباني قصر الزهراء اشتملت على أربعة آلاف سارية ما بين كبيرة وصغيرة حاملة ومحمولة ونيف هو ثنتا عشرة على ثلاثمائة سارية هو قال منها ما جلب من مدينة رومة ومنها ما أهداه صاحب القسطنطينية وأن مصاريع أبوابها صغارها وكبارها كانت تنيف على خمسة عشر ألف باب وكلها ملبسة بالحديد والنحاس المموه والله سبحانه أعلم فإنها كانت من أهول ما بناه الإنس وأجله خطرا وأعظمه شأنا.
مدينة الزاهرة
هي مدينة بناها المنصور بن أبي عامر في القرن العاشر الميلادي قرب قرطبة على الضفة اليمنى للوادي الكبير لتصبح مركزًا إداريًا لحكمه بدلاً من مدينة الزهراء.
بدأ المنصور في بناء المدينة عام 368هـ/978م حيث بنى فيها قصرًا ومسجدًا ودواوينًا للإدارة والحكم ومساكن للبطانة والحرس وأقام حولها سورًا ضخمًا ونقل إليها خزائن المال والأسلحة وإدارات الحكم. أتم المنصور بناء المدينة في عامين، ثم أقطع الوزراء وكبار رجال الدولة الأراضي حولها فعمّروها حتى اتصل بنائها بقرطبة. إلا أنها دمرت في 399هـ/1009م في أثناء فترة الاضطرابات التي انتهت بسقوط الدولة الأموية في الأندلس.