-->

Translate

الأدب الأندلسي في عصر الولاة

الأدب الأندلسي في عصر الولاة

    يعد النتاج الأدبي في عصر الولاة في الأندلس الأدبية نتاجًا ضعيفًا جدًّا، وذلك لعدة أسباب منها: النزاعات التي وُجدت بين أصحاب البلاد والفاتحين وبين الفاتحين أنفسهم على القيادة، وعدم التعرب الكافي في تلك الفترة بالإضافة إلى أنّ الداخلين إلى البلاد كانوا من أهل الحرب والحكم.

    بالطبع كل هذا ساهم في إعاقة النتاج الأدبي، ولكنْ هذا لا يجعلنا نقول بعدم وجود أدب في تلك الفترة، وعلى الرغم مما ذُكر وجدنا في تلك الفترة تخطيط المسلمين للمساجد مع دخول الصحابة والتابعين في أثناء الفتح أمثال المنيذر، وهو من الصحابة ومن التابعين موسى بن نصير، وحنش الصنعاني.

    بالتالي كانت الثقافة في ذلك العصر تتمثل في العلوم الشرعية والإفتاء؛ لذلك نجدها لم تتعدَّ الحلقات في المساجد.

    الأدب الذي وجد في ذلك العصر من تاريخ الأندلس يميل في الشكل والمضمون إلى الأدب المشرقي، ولا يحمل من صفات الأندلس إلا أنه قيل فيها، ولكنه يعتبر نواة لما سيقدم من أشكال الأدب في ذلك الإقليم.


    رصد لأشكال الأدب في ذلك العصر.

     

    1- الشعر.

    الشعر الذي وُجد في ذلك العصر قليل لا يعطينا مساحة للحكم إلا أن نقول أنه كان شبيهًا بشعر المشرق بدرجة كبيرة، وشعراء ذلك العصر، هم:

     (أبو الأجرب بن الصمة - جعونة - أبوالخطار حُسام بن ضرار الكلبي)

    ولا أقول أن هؤلاء شعراء هذا العصر، ولكن هؤلاء من وصل إلينا شعرهم، والدليل على ذلك وجود بكر الكنائي الذي سأل عنه أبو نواس عباس بن ناصح كما سأل عن جعونة بن الصمة.

     

     أبو الأجرب جعونة بن الصمة اشتهر بهجائه ومدحه للصميل بن حاتم -والمدح كان بعد أن تمكن منه فعفا عنه- وهو من العرب الطارئين على الأندلس في عصر الولاة.

    وعلى الرغم من قول أنه في مرتبة جرير والفرزدق، وأنه سأل عنه أبو نواس  فإنه لم يحفظ من شعره إلا بيتين أو هذا ما ورد إلينا من شعره.

    ولقد أراني من هواي بمنزل .. عال ورأسي ذو غدائر أفرعُ

    والعيش أغيد  ساقط    أفنانه .. والماء   أطيبه  لنا  والمرتـعُ

    في هذين البيتين يُظهر لنا مدى تشوقه إلى عهد الشباب وما فيه من عيش هانئ وحياة رغيدة، واستخدامه الكناية عن سهولة حصوله على الثمار والفاكهة توضح مدى نعيمه في أثناءالشباب، ويأبن نفسه على عادة الشاعر العربي في حالة الحنين إلى الشباب، ويعبر عنها بأنه كان لي كذا وكذا من قوة وعنفوان.

     

    أبو الخطّار حسام بن ضرار الكلبي.

    هو أحد ولاة الأندلس في أيام هشام بن عبدالملك وكان ذلك في عام 125 هجريًّا، ولُقب بعنترة الأندلس؛ فقد كان شاعرًا فارسًا، ومن شعره:

    فليت ابن  جواس  يخبَّر أنني .. سعيتُ به سعي  امرئٍ  غيـر عاقلِ

    قتلتُ  به تسعين  تحسب أنهم .. جذوع  نخيل  صرعت في المسايلِ

    ولو كانت الموتى تباع اشتريته .. بكفي  وما  استثنيت   منها أناملي

     

    وكانت تلك الأبيات في ثأر أخذه لعزيز من قومه.

    وله أيضًا في معاتبة الحكام المروانيين لنصرتهم القيسيين على اليمنيين، يقول:

    أفـأتـم بنـي مـروان قيسًا دماءنا .. وفـي الله إن لـم تـنصفوا حكم عدلُ

    كـأنـكـم  لم تشـهدوا مـرج راهـط .. ولـم تعلـموا من كان ثم لـه الفضلُ

    وقيـناكـم حـر الوغى بصـدورنا .. وليـسـت لكم خـيل تُـعَـدُّ ولا رَجْــلُ

    فلما رأيتم واقد الحرب قد خبـا .. وطاب لـكـم مـنا المـشـارب والأكـلُ

    تغـافـلتُم عـنا كـأن لـم يـكـن لنا .. بـلاء  وأنـتـم -مـا عـلمـت- لها فُـعـلُ

    فلا تجزعوا إن عضت الحرب مرة .. وزلت على المرقاة بالقدم النعلُ


    2- النثر

    النثر في ذلك العصر من تاريخ الأندلس يتمثل في خطب القادة، أو رسائل بعض الولاة إلى الخليفة، أو معاهدات بين القادة وأحد حكام بعض البلدات أو بين قادة الفتح، فكان النثر من ذلك القبيل.

    ومن هذا مخاطبة موسى بن نصير لطارق بن زياد قبل اللقاء في طليطلة إذ قال:

    "لَن يُجَازِيكَ الوَلِيدُ بنُ عَبدِ المَلِكِ عَلَى بِلَائِكَ بِأَكثَرَ مِن أَن يُبِيحَكَ الأَندَلُسِ، فَاستَبِحهُ هَنِيًّا مَرِيًّا"

     فقال لهُ طارق:

     " أَيُّهَا الأَمِير، وَاللهِ لَا أَرجِعُ عَن قَصدِيَ هَذَا مَا لَم أَنتَهِ إِلَى البَحرِ المُحِيطِ أَخُوضُ فِيهِ بِفَرَسي" 

    يعني أنَّهُ لن يتوقَّف عن الغزو والجهاد قبل أن يبلغ بحر الشمال أي المحيط الأطلسي.

     ومعاهدة عبدالعزيز بن موسي مع تدمير بن عبدوس.

    كتابٌ من عبدُ العزيز بن مُوسى بن نُصير لِتُدمير بن عبدوس:

     "أنَّهُ نزل على الصُلح، وأنَّ لهُ عهد الله وذمَّة نبيِّه  ألَّا يُقدَّم لهُ ولا لِأحدٍ من أصحابه ولا يُؤخَّر، ولا يُنزع من مُلكه، وأنَّهُم لا يُقتلون ولا يُسبون ولا يُفرَّق بينهم وبين أولادهم ولا نسائهم، ولا يُكرهوا على دينهم ولا تُحرق كنائسهم ولا يُنزع من كنائسهم ما يُعبد، وذلك ما أدَّى الذي اشترطنا عليه، وأنَّهُ صالح على سبع مدائن: أوريولة وبلتنة ولقنت ومولُه وبلَّانة ولورقة وألُه، لا يُؤوي لنا آبقًا ولا يُؤوي لنا عدُوًّا ولا يُخيفُ لنا آمنًا ولا يكتُمُ خبر عدوٍّ علمه، وصالح على أنَّ عليه وعلى كُل واحدٍ من أصحابه دينارًا كُلَّ سنة وأربعة أمداد قمح وأربعة أمداد شعير وأربعة أقساط طِلاء وأربعة أقساطٍ خل وقِسطيّ عسل وقسطيّ زيت، وعلى العبد نصف ذلك، وكُتب في رجب في سنة 94 من الهجرة"

    والخطبة الشهيرة، وهى خطبة طارق بن زياد في جنوده في أثناء الفتح.

    "أيُّهَا النَّاس إلى أينَ المَفَر؟ البَحرُ وَرَائَكُم وَالعَدُوُّ أَمامَكُم، فَلَيْسَ وَالله إلَّا الصِّدقُ والصَّبرُ فِإنَّهُما لا يُغلَبَان، وَهُمَا جُندَانِ مَنصُورَان لا تُضَرُّ مَعُهُما قِلَّة وَلا يَنفَعُ مَعَهُمَا الخَورُ وَالكَسَل وَالإِختِلَافُ وَالفَشَل، وَالعَجَبُ كِثرَة. أيُّهَا النَّاس، مَا فَعَلتُ مِن شَيءٍ فافعَلُوا مِثلُه، وإن حَمَلتُ فَاحمِلُوا وإن وَقَفتُ فَقِفُوا، وَكُونُوا كَهَيبةِ رجُلٍ وَاحدٍ في القِتَالِ، وَإِنِّي صَامِدٌ إلى طَاغِيَتِهِم لا أَتَهَيَّبُه حتَّى أُخَالِطُه، أو أُقتَلُ دُونُه، فَلَا تَنَازَعُوا إن قُتِلت فَتَفشَلُوا وَتذهَبَ رِيحُكُم، وَتُولُوا الأَدبَار لِعَدُوِّكُم فَتَتَبَدَّدوا بَينَ قَتيلٍ وَمَأسُورٍ. وإيَّاكُم أن تَرضَوا بِالدُنيَا ولا تُعطُوا بِأيدِيَكُم مَا قد عُجِّلَ لِكُم مِنَ الكَرَامَةِ وَالرَّاحَةِ من المَهَانةِ والذِّلَّةِ، وما قد أُجِّل لكُم من ثوابُ الشَّهادةِ فَإنَّكُم إن تَفعَلُوا، واللهُ يعِظُكم تَتَبَوَّؤا بِالخُسرَانِ المُبِين وَسُوءِ الحَديث، غدًا بَينَ مَن عَرَفَكُم مِنَ المُسلِمين، ومَا أنَا ذا حتَّى أَغشَاه فَاحمِلُوا بِحَملَتِي، وَأَنَا غَيرُ مَقصُودٍ دُونِهِ."

    وتلك الخطبة مشكوك في نسبتها إلى طارق؛ فقد قيل إنه كان فارسيًّا، وقيل إنه بربري وكونه كان مولاً لموسى بن نصير، هذا ما جعل تلك الشكوك تكون حوله، وحكاية حرقه للسفن يُشك في صحتها لأن الإدريسي هو الوحيد الذي أوردها.

    ومن الرسائل التي تدلنا على تمرد بعض الولاة على حكام بني أمية رسالة يوسف الفهري آخر الولاة في الأندلس إلى عبدالرحمن بن معاوية.

    "أما بعد، فقد انتهي إلينا نزولك بساحل المنكَّب، وتأبش من تأبش إليك ونزع نحوك من السراق وأهل الختر الغدر ونقض الأيمان المؤكدة التي كذبوا الله فيها وكذبونا، وبه جل وعلا نستعين عليهم. 

    ولقد كانوا معنا في ذرى كنف ورفاهية عيش، غمصوا ذلك، واستبدلوا بالأمن خوفًا، وجنحوا إلى النقض، والله من ورائهم محيط. 

    فإن كنت تريد المال فأنا أولى بك ممن لجأت إليه، أكنفك وأصل رحمك وأنزلك معي إن أردت، أو بحيث تريد، ثم لك عهد الله وذمته به، ألا أغدرك، ولا أمكن منك ابن عمي صاحب إفريفية، ولا غيره..."

    ما نخلص إليه أن الأدب في هذ العصر كان امتدادًا للأدب في العصر الأموي في المشرق أو يشبهه الهدف منه قوة جمله لا تجميلها، وأن الأدب تمثل في العرب الفاتحين من ولاة ومن قادة ومراكزالثقافة كانت محدودة لا تتعدى المساجد التي خططها الفاتحون.

    وهذا العصر بطبيعة القلق والصراعات التي كانت فيه لم تتح أمام المبدع أن ينتج كثيرًا ويحاكي بيئته على عكس ما سنجد في العصور التالية لذلك العصر.

     

    ---
    المصادر:

    -الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة د.أحمد هيكل.
    -عصر الدول والإمارات الأندلس د.شوقي ضيف.
    -موقع شبكة الألوكة.
    -الموسوعة الحرة ويكيبيديا فتح الأندلس.


    Unknown
    @مرسلة بواسطة
    كاتب لدى موقع أندلسية .