مسير جيش عبد الرحمن الغافقي إلى معركة بلاط الشهداء |
بعد فتح الأندلس وعودة القائدين موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى دمشق بدأ عصر الولاة بتولي عبد العزيز بن موسى بن نصير ولاية الأندلس عام 95 هجريًّا، وظلت الأندلس ولاية تابعة للخلافة الأموية في المشرق حتى عام 138 هجريًّا أي لمدة 42 عامًا، وخلال هذه الفترة حكم الأندلس عشرون واليًا منهم اثنان حكما مرتين.
ملامح الحياة العامة في عصر الولاة:
على المستوى السياسي كانت الحياة مضطربة، فأول الولاة قتل وكذلك قتل آخرهم وبعض الولاة بينهما أيضًا، بينما خلع بعض الولاة بعزل أو بثورة، وكانت بعض فترات الولاية لا تتعدى سوى أشهر، فقد كان الصراع قائمًا بين القيسية واليمانية من جهة، وبين العرب والبربر من جهة أخرى.
بينما على المستوى العسكري كان عصر الولاة عصر جهاد وفتوحات، ففيه محاولات لفتح فرنسا، وقد أخضع جنوب فرنسا أكثر من مرة للحكم الإسلامي، واستشهد أكثر من والٍ في بعض محاولات إخضاعها كاملة.
على المستوى الحضاري فقد بنى الولاة القادة بعض القصور في الأندلس، وأقاموا قنطرة قرطبة، ونظموا شئون الزراعة والخراج والجند والغنائم والخطط.
وعلى المستوى الاجتماعي في عصر الولاة فقد انتشر الإسلام بين السكان الأصليين فأصبحوا هم جند الإسلام، ونشأ جيل جديد من المولدين نتيجة التزاوج بين العرب والبربر والأندلسيين.
وتعد الحياة الأدبية في عصر الولاة النواة التي مهدت لوجود الأدب الأندلسي، فقد كان من الوافدين على الأندلس خطباء وشعراء استخدموا آدابهم في المعارك والصراعات والحنين إلى أوطانهم.
ولاة الأندلس:
1- عبد العزيز بن موسى بن نصير
كان ورعًا وتقيًّا محبًّا للجهاد في سبيل الله، نقل العاصمة من طليطلة إلى إشبيلية، واستمرت ولايته لمدة سنة وسبعة أشهر، اغتيل في آخرها في رجب 97 هجريًّا.
2- أيوب بن حبيب اللخمي
ابن أخت موسى بن نصير، اجتمع أهل الأندلس على توليته بعد اغتيال عبد العزيز بن موسى بن نصير، نقل العاصمة من إشبيلية إلى قرطبة وأتم بناء قلعة أيوب التي بدأ بناءها عبد العزيز بن موسى بن نصير في سرقسطة، عزله والي إفريقية بعد ستة أشهر من ولايته.
3- الحر بن عبد الرحمن الثقفي
ولَّاه والي إفريقية واستمرت ولايته سنتين وثمانية أشهر، قاد حملة صغيرة على "سبتمانيا" لكن لم تحقق نجاحًا ملحوظًا، قضى فترة ولايته في فض النزاعات بين العرب والبربر وتنظيم الجيش والدولة، وعندما تولى الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز عزله.
4- السمح بن مالك الخولاني
عينه الخليفة عمر بن عبد العزيز، يعد أول والٍ يعين من قبل الخليفة وليس من قبل والي إفريقية، بنى قنطرة قرطبة، وأجرى إصلاحات إدارية حسنت أحوال المزارعين، وغزا "سبتمانيا" فافتتح "أربونة" و"قرقشونة" ومعظم قواعد "سبتمانيا" مؤسسًا أول مقاطعة إسلامية في جنوب فرنسا، ثم توجّه صوب "طولوشة" قاعدة "أقطانيا" فالتقى بجيش يفوق جيشه عددًا فهُزم جيش المسلمين واستشهد "السمح" فقاد الجيش عبد الرحمن الغافقي وولاه الأندلسيون إلى أن يأتي قرار الخليفة، فحكم لمدة شهرين.
5- عنبسة بن سُحيم الكلبي
أرسله بشر بن صفوان الكلبي والى إفريقية واليًا على الأندلس فحكم أربع سنوات تقريبًا، غزا جنوب فرنسا ووصل إلى "سانس" التي تبعد 30 كم فقط من باريس، وكان المسلمون على أعتاب باريس عام 105 هجريًّا، ولكنه أصيب آنذاك وخسر المعركة واستشهد في طريق العودة إلى الأندلس، فقدّم رجال الحملة عُذرة بن عبد الله الفهري قائدًا عليهم، ونجح في الانسحاب بهم إلى سبتمانيا، وظل يحكم إلى أن جاء الوالي الجديد.
6- عذرة بن عبد الله الفهري
نصبه الأندلسيون عليهم بصفة مؤقتة ريثما يأتي التنصيب الرسمي من دمشق أو القيروان، ولذلك لم تدم ولايته أكثر من شهرين، ولم تتح له فرصة تحقيق أي شيء سوى بعض الغارات التي كان الهدف منها السلب والنهب مما خلف الخوف والرعب في صفوف المسيحيين والمسلمين على السواء.
7- يحيى بن سلامة الكلبي
أرسله بشر بن صفوان والي إفريقية ليتولى الأندلس بعد مقتل عنبسة بن سحيم الكلبي فدخلها في شوال 107 هـجريًّا، تولى ولاية الأندلس عامين ونصف، ولم يغز فيها.
8- عثمان بن أبي نسعة الخثعمي
أرسله والي إفريقية واليًا على الأندلس ولم يستمر فيها أكثر من خمسة أشهر، فقد عُزل وتولى مكانه حذيفة بن الأحوص القيسي.
9- حذيفة بن الأحوص القيسي
أرسله والي إفريقية لولاية الأندلس ولم يستمر سوى أشهر وعُزل.
10- الهيثم بن عبيد الكناني
أرسله والي إفريقية واليًا على الأندلس، حكم عامين شن خلالهما حملة لإخضاع تمرد البربر بقيادة "منوسة" في منطقة "أستورياس" وحملة أخرى من "سبتمانيا" على "الإفرنج" في وادي "الرون" وتوفي الهيثم في ولايته، فقدّم أهل الأندلس عليهم محمد بن عبد الله الأشجعي.
11- محمد بن عبد الله الأشجعي
اختاره أهل الأندلس واليًا عليهم بعد وفاة الوالي الهيثم بن عبيد الكناني، واستمر لشهرين إلى أن قدم إليها الوالي الجديد عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي المكلف من قبل والي إفريقية.
12- عبد الرحمن الغافقي
بدأ عبد الرحمن ولايته الثانية بالمصالحة بين العرب المضرية واليمانية وجمع كلمتهم، والقضاء على تمرد البربر في الولايات الشمالية، بعد ذلك جمع عبد الرحمن جيشًا يعد من أكبر الجيوش التي جمعت في تلك الفترة، وعبر به "البرانس" وزحف على مدينة "آرل" على نهر "الرون" لامتناعها عن أداء الجزية، ثم هزم جيش الدوق "أودو" دوق أقطانيا في معركة على ضفاف النهر واجتاح أقطانيا، واستولى على عاصمتها "بردال" بعد حصار قصير، ومنها اتجه إلى "برجونية" واستولى على "ليون" و"بيزانسون" ثم عبر "اللوار" قاصدًا عاصمة الفرنج، بعد أن جنى جيش المسلمين من حملته تلك مغانم عظيمة.
بعد أن انهزم "أودو" أمام جيش المسلمين، لجأ إلى "كارل مارتل" يطلب العون والمدد، فأجابه "كارل" إلى ذلك، وجمع جيشًا من من الغاليين والجرمان وزحف به لمقابلة جيش المسلمين.
التقى الجيشان في وادٍ يقع بين مدينتي "تور" و"بواتييه" في معركة دامت لأكثر من سبعة أيام، وفي يومها الأخير حدث خلل في صفوف المسلمين نتيجة اختراق بعض رجال "مارتل" لمعسكر غنائم المسلمين، مما دفع عدد كبير من المسلمين إلى التراجع للدفاع عن غنائمهم.
حاول عبد الرحمن حينئذ تنظيم صفوف المسلمين مجددًا وإعادة النظام لجيشه، إلا أنه سقط صريعًا بسهم أودى بحياته، فازداد اضطراب جيش المسلمين، وكثر القتل فيهم.
وعند الليل انفصل الجيشان، لكن حال اختلاف المسلمين فيما بينهم على استكمال المعركة، فانسحبوا في الليل مخلفين وراءهم جرحاهم.
كانت وفاة عبد الرحمن في 27 شعبان 114 هـجريًّا في معركة بلاط الشهداء.
13- عبد الملك بن قطن الفهري
ولي الأندلس لمرتين: الأولى بعد مقتل عبد الرحمن الغافقي في معركة البلاط عام 114 هـجريًّا، ثم عزله عبيد الله بن الحبحاب عام 116 هـجريًّا، وولى مكانه عقبة بن الحجاج السلولي إلى أن توفي عقبة في عام 123 هـجريًّا، فتولى عبد الملك مرة ثانية.
وفي تلك الولاية ثارت عليه البربر وصعُب عليه مقاومتهم، فاستعان بفلّ جند الشام المحاصرين في المغرب لمقاومة ثورة بربر الأندلس، ثم انقلبوا عليه وقتلوه بعد أن هزموا البربر.
14- عقبة بن الحجاج السلولي
من بني عامر بن صعصعة من هوازن، ولي الأندلس بتكليف من عبيد الله بن الحبحاب والي الدولة الأموية على مصر وما وراءها غربًا في شوال 116 هـجريًّا، وقد خيَّره ابن الحبحاب في أن يلي ما شاء من ولايته، فاختار الأندلس لأنها أرض جهاد.
خلال ولايته شن عقبة حملات سنوية على المناطق الشمالية، فسيطر على "جليقية" و"بنبلونة" وأسكنها المسلمين، ولم يبق بجليقية سوى الصخرة التي اجتمع عندها 300 رجل على رجل منهم يدعى "بلاي"، حاصرهم المسلمون وضيّقوا عليهم حتى قلّ عددهم إلى الثلاثين، ولم يجدوا ما يقتاتون به سوى عسل الجبال، فانصرفوا عنهم احتقارًا لشأنهم.
كما غزا بلاد الإفرنج بعد أن ثبَّت أقدام المسلمين في"بروفنس" وأقام فيها الحاميات وحشدها بالمقاتلة، حتى بلغت سكنى المسلمين "أربونة" ثم سار بجيوشه فاستولى على "دوفينيه" دمر مدينة "سان بول" ودخل "فالينسوفيين" وأعاد افتتاح "ليون" واتخذها قاعدة لمهاجمة "بورغونية" حتى بلغت إلى "بيدمونت" بشمال إيطاليا، فحشد "كارل مارتل" الجيوش لمقاومته، فحاصر "أفينيون" وانتزعها من المسلمين، ثم هاجم "أربونة" وحاصرها وخرب أجزاء كثيرة منها دون أن يستطيع انتزاعها من المسلمين.
ظل عقبة في ولايته إلى صفر عام 123 هجريًّا، ويعد آخر القادة الفاتحين للجنوب الفرنسي وآخر الولاة الأقوياء في الأندلس.
15- بلج بن بشر القشيري
ساعد بلج بن بشر بجند الشام والي الأندلس عبد الملك بن قطن في القضاء على ثورة البربر، ثم ثار جند الشام على عبد الملك بن قطن وولي بلج مكانه وصلبه وصلب عن يمينه خنزيرًا وعن شماله كلبًا، فجمع ابنا عبد الملك بن قطن جيشًا وحاربا جند الشام قرب سرقسطة في معركة انتصر فيها جند الشام لكن بلج بن بشر أصيب فيها إصابة مات إثرها.
16- ثعلبة بن سلامة العاملي
كان قائد جند الأردن في جيش بلج بن بشر، وولي الأندلس بعد مقتل بشر، وبدأ ولايته بالزحف نحو "ماردة" معقل المتمردين من العرب والبربر، لكنه وجد نفسه أمام قوات لا قبل له بها، فاضطر إلى التحصن في ماردة، إلى أن استغل ثعلبة حلول عيد فطر أو أضحى، فباغت المتمردين بهجوم مضاد كسر به الحصار، وقتل منهم عددًا كبيرًا وسبى نحو عشرة آلاف معظمهم من النساء والأطفال، ثم سار ثعلبة بهم إلى قرطبة، وباعهم كعبيد مستنًّا بذلك سنة لم يستنها أحد من الولاة قبله، مما دفع الأندلسيين للاستنجاد بحنظلة بن صفوان الكلبي والي إفريقية الجديد، فأرسل إليهم أبا الخطار الحسام بن ضرار الكلبي واليًا على الأندلس، فامتثل له جند الشام وسط معارضة قليلة، ثم أخرج أبو الخطار ثعلبة بن سلامة إلى إفريقية في سفينة، ومعه عدد من جند الشام، فلحقوا بالوالي حنظلة بن صفوان الكلبي، ثم عاد ثعلبة مع معظم قادة جند الشام إلى المشرق، بعدما بلغهم مقتل الخليفة الوليد بن يزيد.
17- أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي
ظل أبو الخطار واليًا على الأندلس نحو العامين، شهدت ولايته تحيزه للعرب اليمانية على حساب العرب المضرية، مما هيّج النزاعات القبلية في الأندلس.
ثم زاد الأمر تأزمًا بعد أن أهان الصميل بن حاتم زعيم القبائل القيسية المضرية في الأندلس، وكان الصميل داهية من دواهي العرب، فهداه تفكيره إلى التحالف مع اللخميين والجذاميين اليمنيين لخلع أبي الخطار وتولية أحدهم مكانه، فتكون للوالي الجديد السيادة الاسمية، ويكون للصميل الأمر فعليًّا، فوافقوه إلى ذلك وخلعوا أبا الخطار، وجعلوا مكانه ثوابة بن سلامة الجذامي واليًا على الأندلس، وسجن ثوابة أبا الخطار.
18- ثوابة بن سلامة الجذامي
قدم إلى الأندلس في جند فلسطين الذين دخلوا في عهد عبد الملك بن قطن، ولي الأندلس نحو عام ونصف ضبط خلالها أحوال الأندلس بمعاونة حليفه الصميل بن حاتم، ثم توفي ثوابة في المحرم من عام 129 هـجريًّا فاضطربت الأحوال مرة أخرى.
19- عبد الرحمن بن كثير اللخمي
ولي الأندلس لمدة أربعة أشهر باتفاق بين القيسيين واليمانيين دون أمر رسمي من الخليفة
20- يوسف بن عبد الرحمن الفهري
آخر ولاة الأندلس، عاصر سقوط الدولة الأموية في المشرق وقيام الدولة العباسية، وظل واليًا على الأندلس إلى أن دخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس وهزم يوسف مؤسسًا بذلك الإمارة الأموية في الأندلس.
بعد وفاة ثوابة بن سلامة الجذامي، اختلف أهل الأندلس لأربعة أشهر على من يلي الأمر، تولى خلال تلك الفترة القضاء عبد الرحمن بن كثير اللخمي، حتى استقر الأمر في ربيع الأول 129 هـجريًّا ليوسف بن عبد الرحمن الفهري بدعم من حليفه الصميل بن حاتم، على أن يتناوبوا عليها كل سنة، وهو ما لم ينفذه يوسف بعد انقضاء السنة، وهو ما عارضه يحيى بن حُريث الجذامي، الذي هاجم سجن أبي الخطار الكلبي الوالي السابق الذي سجنه ثوابة الجذامي، فحرّره ثم جمع أبو الخطار وابن حريث العرب اليمانية، وجمع يوسف والصميل العدنانية، واقتتلا عام 130 هـجريًّا في معركة "شقندة" فانهرمت اليمانية، وقُتل أبو الخطار وابن حريث.
بدأ يوسف بعد ذلك في ضبط الشئون الداخلية، فأمر بمراجعة السجلات، واستبعاد الأموات، وأعاد تقسيم الأندلس إداريًّا كما كانت في عهد القوط إلى خمس ولايات كبرى قواعدها: قرطبة وطليطلة وسرقسطة وأربونة وماردة، كما نظم الجيش وأرسل الحملات لقتال البشكنس والقوط الذين غلبوا على بعض المناطق في أثناء الاضطرابات التي سادت الأندلس في الفترة السابقة، إلا أن جيشه انهزم أمام قوات الإفرنج في سبتمانيا التي سقط معظمها عدا أربونة.
واجه يوسف عددًا من الثورات الداخلية التي نجح في قمعها، والتي كان أخطرها ثورة عامر بن عمرو العبدري الذي سيطر على الجزيرة الخضراء، وكاتب الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور لكي يلي الأندلس للعباسيين، واستطاع أن يجمع حوله عددًا كبيرًا من المضرية واليمانية.
وعندما هم يوسف بمطاردته، فر العبدري إلى الشمال، وتحالف مع الحباب بن رواحة الزهري وتميم بن معبد الفهري. وفي عام 136 هـجريًّا، هاجموا سرقسطة قاعدة الثغر الأعلى وهزموا الصميل الذي فر إلى طليطلة.
ظل عامر العبدري مسيطرًا على الثغر زهاء عامين، إلى أن سار يوسف بجيش كبير إلى سرقسطة وحاصرها حصارًا شديدًا أرهق أهلها مما دفعهم إلى التخلص من العبدري والزهري وتميم الفهري بتسليمهم إلى يوسف لإنهاء الحصار، فأمر بقتلهم.
سار يوسف بعد ذلك إلى طليطلة للقاء الصميل، وهناك جاءته رسل ولده عبد الرحمن تخبره بنزول عبد الرحمن بن معاوية الأموي في المنكب.
تقاتل جيش يوسف الفهري والصميل بن حاتم مع جيش عبد الرحمن بن معاوية عند المصارة قرب قرطبة فانتصر عبد الرحمن ودخل قرطبة يوم الأضحى عام 138 هجريًّا.
ظلت المناوشات بين عبد الرحمن الداخل ويوسف الفهري قائمة، فيتصالحان حينًا ويتقاتلان أحيانًا أخرى، حتى قتل يوسف الفهري عام 141 هجريًّا، واستقرت الإمارة الأموية في الأندلس التي أسسها عبد الرحمن الداخل.
---
المصادر:
كتاب قصة الأندلس لراغب السرجاني.
موقع جامعة بابل.
ويكيبيديا.