-->

Translate

عصر الإمارة الأموية في الأندلس

عصر الإمارة الأموية في الأندلس

     
    تمثال الأمير عبد الرحمن الداخل في الموضع الذي نزل فيه في المنكب جنوب إسبانيا

    عندما بدأت الأمور تستقر نسبيًّا في الأندلس في عهد يوسف الفهري آخر الولاة، كان الأمر يزداد سوءًا في المشرق، فقد قويت دعوة العباسيين فأعلنوا قيام دولتهم في خراسان وتوجهوا بجيوشهم نحو مقر الخلافة الأموية في دمشق، فالتقى الجيشان في العراق وكان النصر حليف العباسيين، ومنها اجتاحوا مقر الأمويين في دمشق وطاردوا فلولهم حتى قتلوا آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد في مصر ودانت لهم سائر الأمصار.

    بويع أبو العباس السفاح بالخلافة -وسمي بالسفاح لكثرة سفكه للدماء- فبدأ عهده بقتل الأمراء الأمويين وأبنائهم ومؤيديهم وكل من يصلح للحكم أو يستطيع أن يثور على العباسيين، ولم ينجُ من الأمويين إلا من فر إلى المغرب فالأندلس.

    كان من بين الأمراء الفارين عبد الرحمن بن معاوية بن هشام البالغ من العمر تسعة عشر عامًا، داهمه جنود العباسيين وهو مختبئ في بيت بقرية على الفرات فأخذ أخاه الصغير هشام ودنانير له وهرب فلم يجد مفرًّا من الجنود غير عبور النهر سباحة، وفي منصتف النهر أعطى الجنود الأمان له ولأخيه إن هما رجعا، فعاد الأخ الصغير هشام وأكمل عبد الرحمن السباحة حتى وصل إلى البر الآخر ورأى الجنود وهم يقتلون أخاه أمام عينه.

    ثم ألحقت به أخته أم الأصبع مولاه بدرًا ومولاها سالمًا بشيء من الأموال والجواهر، واصطحب معه خادمه بدرًا في رحلة مدتها ست سنوات إلى الأندلس  مر فيها بالشام فمصر واختبأ ببرقة في ليبيا حتى يهدأ الطلب والمطاردات، ثم توجه إلى القيروان التي استقل حاكمها عبد الرحمن بن حبيب الفهري بها عن الدولة العباسية، ولما زاد عدد الفارين الأمويين في القيروان خشي ابن حبيب الفهري من أن يكوِّنوا عصبة أموية فطرد بعضهم وقتل بعضهم وسلب أموال بعضهم، ولما علم عبد الرحمن بن معاوية بطلب عبد الرحمن بن حبيب له هرب إلى "تادلا" ومنها إلى "نفزة" قبيلة أمه.


    دخول الأندلس وتأسيس الإمارة


    في عام 136 هـجريًّا بدأ عبد الرحمن بن معاوية يعد العدة لدخول الأندلس، فأرسل مولاه بدرًا إلى الأندلس لدراسة الموقف ومعرفة مراكز القوى في الأندلس، فراسل أبا الصباح اليحصبي زعيم اليمنية، وأمويي الأندلس وموالي الأمويين وشيخهم أبا عثمان واتفق معهم على دعم عبد الرحمن بن معاوية في دخول الأندلس وطلبه لملكها، بينما رفض الصميل بن حاتم زعيم القيسيين وحليف يوسف الفهري والي الأندلس فكرة وجود أمير أموي في الأندلس.

    أرسل بدر مولى عبد الرحمن إليه يخبره بأن الوضع أصبح جاهزًا لاستقبالك في الأندلس، وأرسل زعماء الموالي مركبًا تعبر به إلى الأندلس، فوصل إلى ثغر المنكب في ربيع الثاني سنة 138 هـجريًّا ونزل ساحلها وحده ووجد في استقباله مولاه بدرًا، وبدأ أنصاره يتجمعون حوله وذهب إلى إشبيلية معقل اليمنية وقابل زعيمهم وبايعه أهلها، فتجمع له ثلاثة آلاف مقاتل، ثم أرسل إلى يوسف الفهري يطلب وده وتسليم إمارة الأندلس بحكم أنه حفيد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وعلى أن يكون يوسف رجلًا من رجالاته في الأندلس، لكن يوسف رفض وجهز جيشًا وذهب لملاقاته، والتقى الجيشان في موضع يبعد عن قرطبة نحو 45 ميلًا لا يفصلهما إلا النهر.

    حاول يوسف أن يغري عبد الرحمن لينصرف بجنده، فوعده بالمال وبأن يزوجه من إحدى بناته، إلا أن عبد الرحمن رفض، وأسر خالد بن يزيد أحد رسل يوسف، لإغلاظه له القول، وفي الليل حاول عبد الرحمن أن يسبق بجنده جيش يوسف خلسة إلى قرطبة، علم بذاك يوسف فسار الجيشان بمحاذاة النهر صوب قرطبة، إلى أن انحسر الماء عند المصارة يوم الأضحى العاشر من ذي الحجة لعام 138 هـجريًّا، فعبر جيش عبد الرحمن ودارت المعركة التي انتهت بنصر عبد الرحمن.

    وخلال المعركة أشيع بين الجنود أن عبد الرحمن يركب جوادًا سريعًا للفرار به وقت الهزيمة، فلما بلغ عبد الرحمن هذا الكلام ترك فرسه في الحال وقال:

     "إن فرسي قلق لا يتمكن معه الرمي!"

    ثم ركب بغلًا ضعيفًا كي يقنع جنوده بأنه لن يولي ظهره للأعداء، بعد انتصاره أراد جنود اليمنية أن يتبعوا فلول يوسف الفهري فقال لهم:

    "لا تستأصلوا شأفة أعداء ترجون صداقتهم، واستبقوهم لأشد عداوة منهم"

    ودخل عبد الرحمن إلى قرطبة، وأدى الصلاة في مسجدها الجامع حيث بايعه أهلها على الطاعة.


    توطيد الإمارة


    بعد انتصار عبد الرحمن الداخل فر يوسف الفهري إلى طليطلة والصميل بن حاتم إلى جيان وجمعا أنصارهم واجتمعت القوتان وتوجهتا إلى إلبيرة في عام 139 هـجريًّا، فخرج عبد الرحمن إلى ملاقاتهما، وما إن ابتعد قليلًا عن قرطبة حتى توحه إليها عبد الرحمن بن يوسف الفهري واحتل قصر الإمارة، فعاد عبد الرحمن الداخل إلى قرطبة ففر عبد الرحمن الفهري إلى أبيه في إلبيرة.

    حاصرهم عبد الرحمن الداخل في إلبيرة فطلبوا الصلح على أن يعترفوا بإمارته، فصالحهم ونزلوا معه قرطبة تحت رقابته وأكرمهم عمل على تقديرهم.

    لم يمض عام حتى راسل أنصار يوسف الفهري إياه وحملوه على الثورة، فكاتب أهل ماردة ولقنت وهرب إليهم عام 141 هجريًّا، فاعتقل عبدُ الرحمن الداخل الصميلَ بن حاتم، وأدرك عبدُ الله بن عمر الأنصاري يوسفَ الفهري قبل طليطلة بأربعة أميال فقتله وبعث برأسه إلى عبد الرحمن الداخل، ثم أمر عبد الرحمن الداخل بقتل عبد الرحمن بن يوسف المعتقل لديه، كما خنق الصميل في سجنه، وقتل جميع أنصار يوسف الفهري.

    وقضى عبد الرحمن الداخل على خمس وعشرين ثورة خلال إمارته ليترك إمارة مستقرة لخلفائه، ومن أهم أعماله المعمارية بناء جامع قرطبة الكبير.

    وقد مر عصر الإمارة الأموية بفتراتٍ ثلاثٍ كما يلي:

    الفترة الأولى:

    واستمرَّت مئة عام كاملة من 138 هـ إلى 238 هـ وتُعد هذه الفترة هي فترة القوَّة والمجد والحضارة، وكانت فيها الهيمنة للدولة الإسلامية على ما حولها من مناطق.

    الفترة الثانية:

    وتُعَدُّ فترة ضعف، وقد استمرَّت اثنين وستين عامًا من 238 هـ  إلى 300 هـ.

    الفترة الثالثة:

    وهي ما بعد سنة 300هـ وحتى 316 هـ، وهي فترة التأسيس والانتقال إلى عصر الخلافة الأموية.



    الأمراء الأمويون في الأندلس

     

    1- عبد الرحمن بن معاوية (الأول/الداخل) من 138 هـ حتى 172 هـ.

    2- هشام بن عبد الرحمن (الأول) من 172 هـ حتى 180 هـ.

    3- الحكم بن هشام (الأول/الربضي) من 180 هـ حتى 206 هـ.

    4- عبد الرحمن بن الحكم (الثاني/الأوسط) من 206 هـ حتى 238 هـ.

    5- محمد بن عبد الرحمن (محمد الأول) من 238 هـ حتى 273 هـ.

    6- المنذر بن محمد من 273 هـ حتى 275 هـ.

    7- عبد الله بن محمد من 275 هـ حتى 300 هـ.

    8- عبد الرحمن بن محمد (الثالث/الناصر) من 300 هـ حتى 316 هـ كأمير ثم خليفة من عام 316 هـ.

    وقد استمرت الإمارة الأموية في الأندلس 162 عامًا من عام 138 هجريًّا حتى إعلان قيام الخلافة الأموية في الأندلس عام 316 هجريًّا. 


    ---
    المصادر:
    كتاب قصة الأندلس لراغب السرجاني.
    ويكيبيديا.
    حازم غيث
    @مرسلة بواسطة
    كاتب لدى موقع أندلسية .