-->

Translate

فتح الأندلس

فتح الأندلس

    الأندلس تلك البلاد التي تقع في شبه الجزيرة الإيبيرية جنوب غرب أوربا والتي تمثل دولتي إسبانيا والبرتغال - بدأ المسلمون فتحها فعليًّا في سنة 92 هجريًّا وقد مر فتحها بعدة مراحل:



    التفكير في الأندلس:

    منذ توسعت حركة الجهاد والفتح الإسلامي في شتى الأقطار بدأت تتجه أنظار المسلمين نحو الأندلس، ففي سنة 27 هجريًّا أرسل عثمان بن عفان عبد الله بن نافع بن الحصين، وعبد الله بن نافع بن عبد القيس إلى الأندلس وإفريقية، فأتياهما من قبل البحر، وكتب عثمان إليهما:

    "أما بعد، فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس، وإنكم إن افتتحتموها كنتم شركاء من يفتحها في الأجر، والسلام"

    وكانت المرة الثانية في عام 62 هجريًّا عندما فتح عقبة بن نافع "طنجة" مصالحة واستشار حاكمها في فتح الأندلس فأشار عليه أن يفتح "السوس الأدنى" و"السوس الأقصى" أولًا قبل التوجه إلى الأندلس حتى يأمن الأمازيغ من خلفه، ولأنه لا يملك ما يمكنه من عبور البحر وفتح الأندلس، فأخذ عقبة بنصيحته، وبعدما تمكن من فتح "السوس الأدنى" و"السوس الأقصى" وقف عقبة على ساحل البحر وقال:

    " اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك، حتى لا يُعْبَد أحد من دونك"

     

    الإعداد:

    عندما ولي موسى بن نصير إفريقية وما وراءها بدأ يفكر في الإعداد عمليًّا في حل المشكلتين اللتين واجهتا عقبة بن نافع: عبور البحر وتمرد الأمازيغ.

    فبدأ بهمة عالية في عام 87 هجريًّا في بناء المواني وتصنيع السفن حتى تمكن من بناء أكثر من ميناء في الشمال الإفريقي، ومن ناحية أخرى بدأ يعلم الأمازيغ الإسلام عقيدة وعملًا في مجالس خاصة لهم حتى أصبح معظم الجيش الإسلامي من الأمازيغ، فتخير منهم طارق بن زياد الذي جمع بين الكفاءة العسكرية والتقوى الدينية فجعله قائدًا عليهم ونائبًا له على طنجة.

     

    الاختبار:

    وفي عام 89 هجريًّا أرسل موسى بن نصير ابنه عبد الله لكي يفتح جزر الأندلس الشرقية: جزر البليار، وميورقة، ومنورقة ليختبر ردة فعل الملك القوطي على هذه الحملات، ويختبر قوته إذا ما حاول صدها، وإضعاف مملكته إن نجحت هذه الحملات، وقد حدث.

     

    اقتناص الفرصة وتجهيز الحملة:

    كان موسى بن نصير يخشى من بدء الحملة الكبرى على الأندلس سبب حاكم "سبتة" التابع للملك القوطي في الأندلس، ولكن ما حدث في الأحداث السياسية دخل المملكة القوطية في الأندلس جاء في صالح المسلمين، فالقائد القوطي "لذريق" انقلب على الملك القوطي "غيطشة" وخلعه من الحكم وقتله، واغتصب "فلورندا ابنة يُليان" حاكم "سبتة" التي كانت تتعلم في القصر الملكي في الأندلس، فأراد حاكم سبتة المقتول صديقه والمغتصبة ابنته أن ينتقم من "لذريق" الملك القوطي المغتصب، فعرض أمر فتح الأندلس على موسى بن نصير.

     راسل موسى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك في دمشق وأطلعه على الأمر وطلب منه الإذن في فتح الأندلس، لكن الخليفة لم يطمئن إلى أمر وطلب منه عمل رحلات استطلاعية أولًا، فدعا "يُليان" ليحشد جيوشه وعبر في مركبين إلى الأندلس وشن الغارة على الساحل الجنوبي فسبى وقتل وغنم ورجع وامتلأت يديه خيرًا وشاع الخبر في كل قطر فتحمس الناس للفتح.

    ولم يكتف موسى بهذه الحملة فبعث أحد ضباطه وهو طريف بن مالك، وأمره بشن غارة على ساحل الأندلس الجنوبي فعبر المضيق بمئة فارس وأربعمئة راجل في رمضان سنة 91 هجريًّا، نزل طريف وجنده في "طريفة" التي سميت على اسمه فيما بعد وأغاروا على المناطق التي تتبعها إلى جهة الجزيرة الخضراء فغنم منها الكثير وعاد سالمًا فتبين لموسى بن نصير أن ما قاله "يُليان" صحيح عن ضعف المقاومة في الأندلس، فأعد موسى جيشًا من سبعة آلاف محارب لفتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد.

     

    بداية الفتح:

    بعد عودة حملة طريف ودراسة المنطقة الجنوبية من الأندلس ظل موسى بن نصير يجهز الجيش وينظمه لمدة عام، وفي رجب عام 92 هجريًّا انطلق جيش طارق بن زياد عابرًا المضيق البحري إلى الأندلس.

    نزل الجيش في منطقة جبل طارق واصطدم بالحامية القوطية فعرض عليهم طارق -كعادة الجيوش الإسلامية الفاتحة- إحدى ثلاث:

    1- الدخول في الإسلام ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.

    2- دفع الجزية ويكون لهم الأمان على أنفسهم وعلى ما تحت أيديهم.

    3- القتال.

    فأبت الحامية القوطية إلا القتال، وكان النصر حليف المسلمين، فأرسل قائد الحامية إلى الملك القوطي في "طليطلة" رسالة يقول فيها:

    "أدركنا، فقد نزل علينا قوم لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء!  فقد وطئوا بلادنا ولقيتهم فلتنهض إلي بنفسك"

    جمع "لذريق" جيوشه وأرسلها بقيادة "بنشيو" ابن أخته للتصدي لجيش طارق عند الجزيرة الخضراء، فكانوا في كل لقاء يهزمون حتى قتل قائدهم وفر الناجون نحو الشمال.

     

    معركة وادي برباط (وادي لكة) الفاصلة:

    لما وصل خبر مقتل القائد وفرار الجيش إلى "لذريق" جن جنونه وجمع جيشًا قوامه أربعون ألف فارس وذهب لملاقاة جيش طارق في الجنوب، وعندما علم طارق أرسل إلى موسى بن نصير يستنجده فأرسل إليه طريف بن مالك على رأس خمسة آلاف راجل فأصبح جيش المسلمين اثني عشر ألف مقاتل، وعندما اقترب جيش "لذريق" قام طارق في الجيش وقال الخطبة الشهيرة المنسوبة إليه، وفي اليوم الثامن والعشرين من رمضان دارت المعركة الفاصلة واستمرت ثمانية أيام وانتهت بهزيمة القوط بمقتل "لذريق" أو فراره، واغتنام المسلمين للخيول مما سهل فتح بقية المدن الأندلسية، واستشهاد ثلاثة آلاف من المسلمين.


    استكمال الفتح:

    بعد انتصار المسلمين في معركة وادي برباط اتجه طارق نحو العاصمة القوطية طليطلة، ففتح في طريقه مدينة "شذونة" و"مورور" و"إستجة" ومنها أرسل سرايا إلى "قرطبة" و"غرناطة" و"مالقة" و"مرسية" ففتح بعضها حربًا وبعضها صلحًا، ثم أكمل طريقه إلى طليطلة ففتحهها، فانطلق إلى قشتالة وليون ففتحهما.

    فأرسل موسى بن نصير رسالة إلى طارق بن زياد يأمره بالتوقف عن مواصلة الفتوحات حتى يأتيه في ثمانية عشر مقاتلًا، ودخل الأندلس وسلك طريقًا غير الطريق الذي سلكه طارق، فأعاد إخضاع "شذونة" وفتح "قرمونة" وفتح "إشبيلية" بعد حصار شهور، وكذلك فتح "ماردة" مصالحة بعد حصار شهور، وأرسل ابنه عبد العزيز إلى الغرب لفتح "لشبونة" ثم توجه إلى طليطلة للقاء طارق.

    اتحد الجيشان وتوجها إلى الشمال ففتحا "برشلونة" و"سرقسطة" وأرسل موسى بن نصير سرية إلى جبال "البرانس" وصلت إلى مدينة "أربونة" وفي نهاية عام 95 هجريًّا كانت الأندلس كلها مفتوحة عدا منطقة تسمى "صخرة بلاي" وعندما هم القائدان جاء أمر من الخليفة الأموي في دمشق "الوليد بن عبد الملك"  بوقف الفتح ومجيء القائدين إلى دمشق، فأطاعا أمر الخليفة وذهبا إلى دمشق وتولى عبد العزيز بن موسى بن نصير ولاية الأندلس ليبدأ أول حكم ساسي إسلامي للأندلس وهو عصر الولاة.


    ---
    المصادر: 
    كتاب قصة الأندلس لراغب السرجاني. 
    حازم إمام غيث
    @مرسلة بواسطة
    كاتب لدى موقع أندلسية .